رحل خالد بن ناصر الرخيمي وشهدت الرياض وداعه، في يوم الخميس الموافق 11 جمادى الآخرة 1430ه، خالد ذلك الشاب الصالح نحسبه من مواقفه التي شهدت بطيبته وخلقه وحرصه وحبه للخير وأهله.
ترعرع حريصاً على الصلاة مداوماً عليها، لم يكن يقدم نفسه ولم يسع ليكون شيئاً عظيماً في هذه الدنيا دائماً يتذكر الآخرة وكأنه يشعر أن الأجل قريب، ومن منا لا يشعر بأن أجله قريب فلكل يوم، ولكن أجل لا يتقدم عنه ولا يتأخر. هلل أهله يوماً فرحين مستبشرين.
فلقد بدأ يعد العدة ليكون عريساً ويدخل عالم الأزواج فخُطب له واستعد للعرس، لكن هناك شيء ما.. مفاجأة تنتظره.. . ، حيث شعر بألم مخيف.. . يصيبه ويغزو أطرافه.. . واشتد عليه.. . ، ولم يكن هذا ألماً عادياً أو وعكة صحية عابرة.. . ، ولكنه المرض الذي يفتك بخلايا الجسم وأعضائه عضواً عضواً.. إلا ما شاء الله.. . وبدأ في ساقه يسري.. . ، فهل يتم عرسه.. . ، وهو لا يدري ماذا ينتظره!. . .
وتلك العروس كيف سيكون حالها، وما كان منه إلا أن هم من فوره.. وآثر على نفسه ولم يكن أنانياً يفكر في نفسه فقط.. ، واعتذر لمخطوبته.. ، ودعا لها.. . وأرجأ حاله للطيف الخبير.. . ، وتوكل عليه.. ، ومرت الأيام.. . سريعة علينا!. . ثقيلة عليه.. ؟ !
واشتد ألمه.. وضعف حاله.. . لكن: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (286) سورة البقرة، ففاضت روحه إلى بارئها.. . إلى الرحيم الرحمن..
إلى من هو أرحم بعباده من الأم بوليدها، ففاضت الروح وهو رافع سبابته ب(لا إله إلا الله) وأهله يرقبون تلك اللحظات العصيبة ويردد قائلاً: (سأذهب إلى مزرعتي، سأذهب إلى مزرعتي.. . ) ثم سكت ذلك الصوت.. يا الله لعلها جنان خضر وحدائق غناء تنتظره.. . ، يوم يحصد المرء ما زرع ويذوق الثمر.. . نسأل الله أن يكون وإياه ممن يقال لهم: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي)، ? أي مرضية بعملك الصالح مع عباد الله الصالحين.
يا أم خالد ويا أبا خالد صبراً جميلاً والله المستعان.. . ويا أخوته وأخواته وأصدقاءه وأحبابه، عزائي إليكم، وإلى أختي وأخته وحبيبتي الصديقة العزيزة أم عثمان،. . . عزائي إليكم جميعاً، أسأل الله لكم وله الثبات والرحمة الواسعة وحسن العاقبة.
فلله ما أخذ وله ما أعطى فهو في رحمة ربه، روى زيد بن أسلم قال: كان النبي في بعض أسفاره فأخذ رجل فرخ طائر، فجاء الطير فألقى نفسه في حجر الرجل مع فرخه، فأخذه الرجل، فقال النبي: (عجباً لهذا الطائر! جاء فألقى نفسه في أيديكم رحمة بولده، فوالله، لله أرحم بعبده المؤمن من هذا الطائر بفرخه) رواه البيهقي في شعب الإيمان والبزار.
وعن عمر بن الخطاب أنه قال: قدم على رسول الله بسبي، فإذا امرأة من السبي تبتغي، إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله: (أترون هذه المرأة طارحة ولها في النار؟) قلنا: لا والله وهي تقدر على أن لا تطرَحَه، فقال رسول الله: (الله أرحم بعباده من هذه بولدها) رواه مسلم.
فلله الحمد والمنة وإنا إليه راجعون الذي بشر الصابرين. جعلنا الله وإياكم منهم. يقول جل وعلا في سورة البقرة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
نسأل الله العظيم الجواد الكريم من فضله الواسع ونسأله جل وعلا أن نلقى أحبابنا وذرياتنا في رحاب جنانه حيث لا تعب ولا هم ولا مرض ولا ألم. رحم الله خالداً وأفسح له في قبره مد بصره وأسكنه فسيح جناته، وجعلنا وإياه ومن يقرأ ويسمع القول فيتبع أحسنه ممن يرثون الفردوس الأعلى، وثبت أهله وأحبابه وجعلهم من الصابرين المحتسبين (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)، وإلى جنة الخلد يا خالد
الكاتب: هياء عبدالله الدكان
المصدر: موقع آسية